حوار مع د. شوي تشينغ قوه (بسام) حول اللغة العربية في جمهورية الصين الشعبية المعاصرة

طباعة 2024-04-05
حوار مع د. شوي تشينغ قوه (بسام) حول اللغة العربية في جمهورية الصين الشعبية المعاصرة

العلاقات بين العرب و"الصين التاريخية" قديمة جدا، كما ذكر د. شوي في هذا الحوار. فقد احتك الطرفان في مناسبات تاريخية عديدة، ابتداء من القرن 7 الميلادي، وحدثت بينهما تبادلات ثقافية واقتصادية، وحتى صراعات عسكرية، إلا أنها لم تعدم بعض الجوانب الإيجابية، فقد كان من نتائج معركة "دالواس" تعرف العرب المسلمين على صناعة الورق الصيني، حيث أنشأ أول مصنع للورق في سمرقند وبعد ذلك في بغداد، ثم انتقلت صناعة الورق لاحقا إلى أوروبا عبر العرب المسلمين.

ومع ذلك فإن الاهتمام المتبادل بين العالم العربي و"جمهورية الصينين الشعبية" المعاصرة بقي محدودا، مقارنة مع غيرها من الدول الكبرى، حتى وقت قريب. ومع تضافر بعض العوامل الاقتصادية والسياسية بدأ الاهتمام بالعرب واللغة العربية يزيد في الصين. وفي هذا الحوار مع د. شوي تشينغ قوه (بسام) نحاول تسليط الضوء على حضور اللغة العربية في جمهورية الصين الشعبية منذ 1945 حتى الآن.   

 

-في البداية حدثنا عن تجربتك الشخصية مع اللغة العربية، كيف تعلمتها وكيف علَّمْتَها وأنتجت بها علميا؟

التحقت بالجامعة لتعلم اللغة العربية في عام 1981، ودرستها لأربع سنوات كتخصص جامعي حتى حصلت على شهادة البكالوريوس عام 1985، ثم أكلمت دراسة الماجستير عام 1988، وقضيت خلالها سنة تقريبا في كلية الآداب بجامعة القاهرة. وواصلت الدراسة حتى حصلت على شهادة الدكتوراه من جامعة الدراسات الأجنبية ببكين عام 1992. وبعد ذلك بدأت أشتغل كأستاذ اللغة العربية حتى الآن، وكنت عميد كلية الدراسات العربية في الجامعة. وأنا حاليا مدير مركز الشيخ زايد للغة العربية والدراسات الإسلامية في هذه الجامعة، ونائب رئيس الجمعية الصينية للدراسات الشرق أوسطية، ونائب رئيس مجمع بحوث الأدب العربي في الصين.

أنا مهتم بدراسة الأدب العربي الحديث والقضايا الثقافية العربية والعلاقات الصينية العربية. وقد صدرت لي 6 مؤلفات منها "صورة الصين في الثقافة العربية الحديثة" و"بانوراما الأدب العربي"، و22 عملا مترجما من العربية إلى الصينية: منها أعمال لجبران خليل جبران ونجيب محفوظ وأدونيس ومحمود درويش وغيرهم من كبار الأدباء العرب المعاصرين. وأحدثت معظم هذه الترجمات أصداء واسعة في الأوساط الأدبية والثقافية الصينية، وساهمت مساهمة كبيرة في زيادة معرفة الشعب الصيني للأدب العربي والثقافة العربية المعاصرة، ذلك إضافة إلى ترجمتي لأمهات التراث الصيني إلى اللغة العربية بالتعاون مع الباحث السوري الشهير فراس السوّاح ومن هذه الترجمات: كتاب "لاو تسي" و"محاورات كونفوشيوس" و"منشيوس".

وكان لي شرف أن فزت بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في عام 2017، وبجائزة لوشون الأدبية (فئة الترجمة الأدبية) في عام 2022 والتي تعتبر أعلى جائزة أدبية في الصين. أشتغل حاليا بكتابة "تاريخ الثقافة العربية"، وأتمنى أن أنجزه خلال السنوات الثلاث المقبلة.

-بدأت دراسات اللغة العربية في الصين الحديثة مع جيل المؤسسين أمثال المعلمين: محمد مكين وعبد الرحمن ناتشونغ، حدثنا كيف تطور تدريس اللغة العربية بعد ذلك وما هي أهم مراحله ومحطاته؟

أحب أن أشير إلى أن الصين من أقدم الدول غير العربية التي بدأت تعليم اللغة العربية، حيث يرجع تاريخ تعليم العربية فيها إلى أسرة تانغ الملكية، أي قبل أكثر من ألف سنة، عندما كان المسلمون القادمون من البلاد العربية إلى الصين يعلمون أبناءهم اللغة العربية في المساجد أو المدارس التابعة لها.  واستمرت تقاليد تعليم العربية في المساجد والمدارس التابعة لها فيما بعد، بل لا تزال باقية حتى يومنا هذا. أما تعليم اللغة العربية في الجامعات الصينية، فبدأ عام 1943 عندما تم تعيين الأستاذ عبد الرحمن ناتشونغ – بعد تخرجه من جامعة الأزهر حاملا شهادة العالِمية – أستاذا في الجامعة نانجنغ، فألقى دروس اللغة العربية للطلاب كمادة اختيارية مستخدما الكتب المنهجية التي ألفها بنفسه. وفي عام 1946، أنشئ تخصص اللغة العربية لأول مرة في الجامعة الصينية حيث استقدمت جامعة بكين الأستاذ محمد مكين، زميل عبد الرحمن ناتشونغ الأزهري، لإنشاء شعبة اللغة العربية في قسم اللغات الشرقية بالجامعة، وقبلت دفعات أولى من الشبان الصينيين لدراسة اللغة العربية كتخصص. وبعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، وتمشيا مع تطور العلاقات السياسية بين الصين والدول العربية، أنشأت الحكومة تخصص اللغة العربية في 6 جامعات ومعاهد أخرى، وقد أعدت هذه الجامعات والمعاهد، آلافا من الأكفاء الذين عملوا في مجالات مختلفة وساهموا في تطوير العلاقات الصينية العربية، ومنهم وزراء وسفراء وجنرالات وأساتذة وأكاديميون ومدراء في الشركات وإعلاميون ورجال الدين وإلخ. وابتداء من تسعينيات القرن الماضي، ازدادت الجامعات التي أنشأت أقسام اللغة العربية بشكل مطرد، بل يمكن القول بأن اللغة العربية حققت طفرة كبيرة في السنوات العشرين الماضية.

-ما سر الإقبال الصيني على اللغة العربية؟ وكم عدد الكليات والمعاهد والجامعات التي تدرسها في الصين وعدد الطلاب الذين يدخلون أقسام اللغة العربية سنويا؟

يبلغ عدد الجامعات التي تدرس اللغة العربية حاليا 60 جامعة تقريبا، منتشرة في مختلف المناطق الصينية. ويبلغ إجمالي الطلاب الذين يدخلون أقسام اللغة العربية سنويا 2000 طالب أو طالبة تقريبا.

هذا الإقبال على تعلم اللغة العربية في الصين له علاقة مباشرة بتطور العلاقات الصينية العربية في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد إطلاق مبادرة الحزام والطريق عام 2013، حيث تطورت هذه العلاقات تطورا سريعا في كافة المجالات، وخصوصا في المجالين الاقتصادي والتجاري. لذا، يجد الشباب الصينيون أن معرفة اللغة العربية ستوفر لهم فرصا جيدة للعمل والتوظيف في المستقبل. 

-كيف ينظر الصينيون إلى مكانة اللغة العربية في سياق الدافع اللغوي العالمي؟ وما هي الآفاق التي تفتحها والفرص التي تتيحها؟

كما أشرت سابقا، للغة العربية مكانة جيدة في الصين، وبالإضافة إلى السبب المهني والعملي، كلنا نعرف أن العربية من لغات العمل الرسمية في الأمم المتحدة، وأنها لغة ذات حضارة عريقة وتراث ثقافي وعلمي غني للغاية. لذا، تحظى العربية باهتمام كبير من قبل الأوساط الثقافية الصينية والشباب الصينيين. ولا ننسى أن في الصين نحو 20 مليون مسلم، وهم يحبون اللغة العربية ويتطلعون إلى معرفتها أو دراستها بطرق مختلفة، بدوافع دينية أو علمية أو عملية.

-انطلاقا من تجربة الصين في تدريس العلوم والتكنولوجيا باللغة الصينية، هل تعتقد أن اللغة العربية قادرة على استيعاب العلوم المعاصرة كالطب والهندسة: من حيث التدريس والإنتاج العلمي مثل ما كانت قديما؟

انطلاقا من تجربة الصين، أعتقد أن سبب التخلف العلمي والفكري لا يرجع إلى اللغة، إنما يرجع إلى صاحب هذه اللغة، أي الإنسان. ففي أوائل القرن الماضي، شاع في الأوساط الثقافية الصينية رأي مفاده أن اللغة الصينية هي عقبة تحول دون تقدم الصين، لذا، كان بعض الناس يدعون إلى نبذ اللغة الصينية، وخاصة الكتابة الصينية، لتحل محلها الكتابة اللاتينية. ولكن نجاح الصين في العقود الأخيرة، ولا سيما في المجال العلمي والتكنولوجي، أعطى للغة الصينية حياة جديدة، وأثبت أن اللغة الصينية، برغم من عراقتها، لا تزال قادرة على استيعاب العلوم الحديثة.

بناء على ذلك، أنا لا أشك في أن اللغة العربية قادرة أيضا على استيعاب العلوم المعاصرة بكل فروعها الطبيعية والاجتماعية والإنسانية، كما كانت العربية قادرة على ذلك في العصور القديمة. فالعربية لغة ناضجة ودقيقة، وتمتاز بغنى المفردات وتنوع المترادفات ودقة القواعد النحوية ومرونة تراكيب الجمل. نعم، أعرف أن عرب اليوم تخلفوا عن ركب الدول المتقدمة في العلوم الحديثة إجمالا، ولا يقاس إنتاجهم العلمي بما أنتجه أجدادهم في العصور الذهبية للحضارة العربية الإسلامية، ولكن المشكلة تكمن في الإنسان العربي المعاصر، وليست لها علاقة باللغة العربية. وبعبارة أخرى، ليست العربية سبب تخلف العرب المعاصرين، بل هي ضحية تخلفهم.

طبعا، أعرف أيضا أنه من أجل أن تكون العربية قادرة على استيعاب العلوم الحديثة، لا بد أن يبذل العرب جهودا كبيرة لتوحيد المصطلحات وتعريبها، وتأليف مناهج علمية عربية بدلا من الاعتماد على مناهج أجنبية أو الاكتفاء باستيرادها، وتفعيل وتحديث دور مجامع اللغة العربية في دول مختلفة... وحسب علمي أن العديد من الأجهزة الحكومية والشعبية في بعض الدول الخليجية تبذل جهودا دؤوبة لتشجيع تعريب العلوم الحديثة، وهي جهود إيجابية وقيمة ينبغي تعزيزها ومواصلتها.

وعند الحديث عن علاقة العلم باللغة ومستقبل اللغة العربية، أحب أن أقتبس مقولة جميلة وعميقة لجبران خليل جبران في هذا الصدد: "مستقبل اللغة العربية يتوقف على مستقبل الفكر المبدع الكائن - أو غير الكائن- في مجموع الأمم التي تتكلم اللغة العربية، فإن كان ذلك الفكر موجودا كان مستقبل اللغة عظيما كماضيها، وإن كان غير موجود فمستقبلها سيكون كحاضر شقيقتها السريانية والعبرانية."

شارك :

التعليقات (0)

أضف تعليق