التطرف في أمريكا

طباعة 2018-11-14
التطرف في أمريكا

الكتاب            : Extremism in America

تحرير              : جورج مايكل

الناشر             : University Press of Florida

سنة النشر      : 2014

عدد الصفحات  : 356

مراجعة          : عبد الرحمن المعمري

 

 

 

يتكوّن الكتاب من: مقدمة، وأحد عشر فصلًا، وخاتمة، ويقع في 337 صفحة. اشترك في تأليفه عدة مؤلفين؛ حيث قام كل كاتب بكتابة فصل من فصول الكتاب.

يُقدّم الكتاب نظرة شاملة لمختلف أطياف الجماعات المتطرفة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ ابتداءً من اليمين المتطرف، وبعض الجماعات الانفصالية، ثم جماعات مناهضة العولمة، مرورًا بمجموعات مناهضة الإجهاض، وجماعات السود المسلّحة، وحتى الجماعات المتطرفة الدينية اليهودية والمسيحية والإسلامية.

بدايةً، يعترف محرر الكتاب في مقدمته بالإرث المتطرف للولايات المتحدة «والتطرف السياسي له تقاليد عريقة في الولايات المتحدة» (ص 1). بل يذهب المحرر أبعد من ذلك ليحاول إثبات أن التطرف كان سمة السكان الأصليين قبل مجيء الأوروبيين؛ حيث تم العثور على مقابر جماعية تثبت قيام المواطنين الأصليين بذبح خصومهم.

تعريف التطرف:

يشير المحرر إلى أنه لا يوجد تعريف متّفَق عليه للتطرف، لكن ما يتفق الجميع عليه هو المعنى والدلالة السلبية لهذا المصطلح. لكنه يشير إلى أن المعنى يتم تحديده مجتمَعيًا بشكل أساسي؛ ففي أي مجتمع هناك أعراف وتقاليد وقواعد سائدة ونظام عام يلتزم المجتمع به، والمتطرف هو الذي يتجاوز كل ذلك بما يستحق بموجبه السخرية أو العقوبة. والأفكار المتطرفة، كما يشير المحرر، هي التي لا يمكن قولُها في أيّ تجمُّع طبيعي أو نشرُها في الجرائد العامة. وأيضًا يمكن وصف جماعة أنها متطرفة بالنظر إلى موقعها بين كلٍّ من اتجاهات اليمين واليسار؛ فمن يساند أقصى اليمين أو اليسار فهو متطرف، بينما مَن يتّخذ موقفًا وسطًا يعتبر معتدلًا. ويمكن تعريف المتطرف بأنه مدَّعِي الصلاح في نفسه أو معتقده المتعصب لهذا المعتقد والكاره لغيره.      

استعراض فصول الكتاب:

ينظر الفصل الأول، الذي قام بكتابته جورج مايكل، إلى العلاقة بين حزب الشاي واليمين المتطرف. وحزب الشاي، الذي يرتكز في الأساس على قاعدة من البيض الأمريكيين ونشأ في عام 2008م، يُعَدّ أحدث تجسيد للشعبوية اليمينية الأمريكية. اليمين المتطرف عاد نجمه إلى الصعود مرةً أخرى على الساحة بعد الأزمة المالية، والذي ترافق مع انتخاب الرئيس السابق باراك أوباما كأول رئيس أسود للولايات المتحدة (2008م). بدأت انتقادات الحزب مركزة على الجانب الاقتصادي؛ كقضايا الركود الاقتصادي، والعجز الفيدرالي، والهجرة، وضعف الاستجابة الحكومية لهذه المشاكل. 

ينتقل بنا خوسيه زيقيت في الفصل الثاني إلى اليسار؛ ليتناول حركة الفوضوية الثورية ومناهضة العولمة التي تسعى إلى خَلْق مجتمع غير هرمي قائم على مبادئ اليسار. ويركز الفصل على شرح طرق جماعة «الكتلة السوداء» لمواجهة نظام يُنظر إليه على أنه قمعي، وخَلْق مساحة بديلة للحرية والعدالة والكرامة.

يركز د. ج. مولي في الفصل الثالث على أحد أكثر المظاهر المتطرفة ذات النزعة القومية السوداء وهو حزب «النمر الأسود للدفاع عن النفس». يُقدِّم الفصل لمحة عن نشأة الحزب في عام 1990م وتطوُّره حتى وقتنا الراهن، مستعرضًا جذوره ومعتقداتِه وأهم الناشطين فيه. كما يتناول الفصل علاقة الحزب بجماعة أمة الإسلام، وكذلك علاقة الشدّ والجذب مع منظمات الحقوق المدنية السائدة. 

في الفصل الرابع يسلط دونالد ديفيت الضوء على حركة شيكانو القومية الانفصالية في الولايات المتحدة، التي يُشكِّل المهاجرون المكسيك القوام الرئيس لها. ويوضح اتفاق واختلاف هذه الحركة مع الحركات العنصرية الأخرى. تستخدم الحركة وسائل قانونية وأخرى غير قانونية لتحقيق هدفها المتمثل في وطن قومي في جنوب غرب الولايات المتحدة. لا تنطوي أنشطة الحركة عادةً على العنف البدني، بل تميل إلى تقويض المؤسسات التي تعرقل أهدافها الوطنية باستغلال السياسات الحكومية غير الحاسمة، ومن خلال التغيير الديمغرافي الذي تُنتجه الهجرة غير القانونية. 

في الفصل الخامس يتناول كلٌّ من جيمس وبرندا لوتز التطرف الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية. فقبل الحادي عشر من سبتمبر 2001م وقعت حوادث إرهابية قليلة من قِبل متطرفين إسلاميين، على الرغم من أن أول محاولة لتفجير مركز التجارة الدولي، في عام 1993م، قد أشارت إلى احتمال حدوث تفجيرات أخرى من هذا النوع. في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر كان هناك خوف عارم من أن تنشط «الخلايا النائمة» للمتطرفين الإسلاميين، واتّضح لاحقًا أن الخوف من الخلايا النائمة للقاعدة في أمريكا كان مبالغًا فيه، فقد تم الكشف عن مؤامرات من قِبل مجموعات أجنبية ومحلية. غير أن بعض الهجمات الأكثر فتكًا حتى الآن جاءت على أيدي أفراد منعزلين؛ ما اصطُلح عليه بـ (الذئاب المنفردة). وفي حين أن التهديد لم يكن بحجم الخوف، فإن الخطر مع ذلك لم يكن بسيطًا. وبالنظر إلى هجمات 11 أيلول/ سبتمبر والجهاد العالمي، فهناك أيضًا خطر أن يُصنَّف المسلمون، سواء الأجانب أو المواطنون الأمريكيون المسلمون، كأعضاء في «مجتمعات مشبوهة» ويصبحوا أكثر عرضةً للإدانة بجرائم بناءً على أدلة واهنة، أو أن يتعرضوا للتهميش أو يواجهوا التمييز.

في الفصل السادس يُسلِّط الكاتبان، جيمس وبرندا لوتز، الضوءَ على التطرف اليهودي في الولايات المتحدة. وبالمقارنة مع البلدان الأخرى التي يقيم فيها يهود الشتات، فإن معاداة السامية في الولايات المتحدة منخفضة نسبيًّا. ومع ذلك، فهناك حوادث من معاداة السامية قد تخللت التاريخ الأمريكي. وعلى الرغم من أن منظمات الدفاع اليهودية السائدة، مثل المؤتمر اليهودي الأمريكي واللجنة اليهودية الأمريكية وعصبة مكافحة التشهير، كانت أبرز المنظمات الظاهرة للعيان للدفاع عن الحقوق اليهودية، فإن بعض الجماعات المتطرفة اليهودية كانت نشِطة كذلك. ومن أشهر هذه الجماعات اتحاد الدفاع اليهودي The Jewish Defense League (JDL) الذي وفّر لأول مرة الحماية للأحياء اليهودية ضد التهديدات الخارجية. ومنذ البداية بدأت هذه الجماعة باستهداف الجماعات المعادية للسامية، كما استهدفت الاتحاد السوفييتي في إحدى المرات لعدم سماحه لمواطنيه اليهود بالهجرة، إضافةً إلى أن هذه الجماعة شنّت هجماتٍ ضد مصالح الاتحاد السوفيتي ودول أخرى للتصويت المناهض لإسرائيل في الأمم المتحدة.

عُني جورج مايكل في الفصل السابع بدراسة حركة الهُوِيّة المسيحية التي اكتسبت شعبية وسط اليمين المتطرف الأمريكي، وترجع أصولها إلى حركة «بريطانيا الإسرائيلية» التي انتشرت في القرن التاسع عشر في إنكلترا. ومع أنها أساسًا متعاطفة مع السامية بطبيعتها، فإن هذه الجماعة وجدت طريقها إلى أمريكا في وقتٍ لاحق، وتحولت إلى حركة عنصرية ومعادية للسامية بشكلٍ واضح، وعرفت باسم حركة «الهوية المسيحية». وقد ساهمت المعتقدات المروّعة للجماعة فيما يتعلق بآخر الزمان (هرمجدون) في تشكيل ألفية ثورية بروح اليمين المتطرف، وكانت بمثابة مصدر إلهام لبعض أعضاء الجماعات اليمينية الذين تورّطُوا في أعمال عنف. 

يدرس آرون ونتر في الفصل الثامن تاريخ النشاط المتطرف والعنيف لجماعات مكافحة الإجهاض في الولايات المتحدة. ويلقي نظرة على منظمات العمل المتشددة التي تدعم العنف ضد مساندي الإجهاض، وأيضًا مواقع الإنترنت التي تمجّد هذا النوع من العنف مستقصيًا علاقة هذه المنظمات مع التيار السائد في حركة مكافحة الإجهاض، وموقع هذه المنظمات ضمن التيار المتطرف الأوسع الذي يشمل كلًّا من اليمين المسيحي واليمين المتطرف، ومدى استجابة وسائل الإعلام والجمهور والحكومة لهؤلاء الناشطين. 

ينتقل الكتاب إلى جماعات وحركات حقوق الحيوان والبيئة، حيث يُسلّط دونالد ليديك في الفصل التاسع الضوء على هذه الجماعات التي تُسمَّى «الإرهاب البيئي». وتتألف من مجموعة واسعة من المجموعات والجهات الفاعلة. وهي، وإن كانت عالمية النطاق، فإنها ليست منظمة تنظيمًا جيدًا، وربما يكون أفضل وصف لها أنها «مقاومة من دون قائد». في هذا السياق اعتمدت بعض الكيانات وسائل إجرامية لتحقيق غايات متعددة. العناصر الأكثر تطرفًا في هذه الحركات تدعو إلى انهيار الحضارة التكنولوجية وإنهاء استخدام الحيوانات لأيّ سبب من الأسباب. وغالب «المتطرفين البيئيين» يأتون من صفوف المجموعات البيئية الرئيسة، ولكن وسائل الضغط السياسي التقليدي والاحتجاجات لا تُلبِّي أهدافهم فيلجؤون إلى أساليب عنيفة.

في الفصل العاشر يتناول جيفري روس التطرف في السجون الأمريكية. ويغطي هذا الفصل مختلف العصابات المتنوعة على أساس العِرق والدين والقومية، فيشمل العصابات الأمريكية الإفريقية، والعصابات من أصل إسباني ولاتيني، وأيضًا المجموعات القومية البيضاء. وفي هذا الصدد تمت مراجعة عمليات التمرد والاضطرابات والشغب داخل السجون الأمريكية. يستعرض الفصل أيضًا طريقة استجابة المسؤولين الأمريكيين لهذه الأعمال، وتعامُلهم معها، والجهود المبذولة لتقليل التطرف داخل السجون الأمريكية. 

وفي الفصل الحادي عشر يناقش كريستوفر هيوت الإرهاب المحلي في الولايات المتحدة ومرتكبي هذا الإرهاب. ويستعرض كذلك تاريخ الإرهاب في أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية، ويُقدِّم تصنيفًا يُحدِّد الاختلافات بين الأشكال المختلفة التي اتّخذها الإرهاب المحلي. ويطرح الفصل أن الإرهاب في تاريخ الولايات المتحدة حدثَ على شكل سلسلة من الموجات، وكل موجة مرتبطة بصعود الحركات المتطرفة وهبوطها.

في خاتمة الكتاب يعود جورج مايكل ليناقش الاتجاهات الحديثة في التطرف السياسي. وثمة اتجاه مثير للاهتمام يتمثل في التقارب الواضح بين الحركات المتطرفة المتباينة. وأسهمت الثورة في الاتصالات التي تتيحها تكنولوجيا الإنترنت في دفع الكثير من هذه الاتجاهات؛ نظرًا إلى سهولة التواصل بين المجموعات والأفراد وتبادل المعلومات الحاصل الآن. ويتيح الإنترنت للناشطين المتشابهين في التفكير العمل بمبادرة خاصة بهم دون الحاجة إلى توجيه مباشر من منظماتهم. إن عدم الاستقرار الاقتصادي، والحروب الثقافية، والجمود السياسي يمكن أن يصنع أرضًا خصبة يزدهر فيها التطرف. ويشير جورج مايكل إلى أنه على الرغم من أن معظم الحركات المدروسة في هذا المجلد ستبقى على الأرجح على هامش المجتمع الأمريكي، فإنها يمكن أن تتصدّر المشهد لإدارة البلد. ولهذا السبب وليس غيره علينا دراسة هذه الحركات.

ملاحظات عامة

مما يُحسب للكتاب أنه قدّم عرضًا لعدد كبير من المجموعات والحركات المتطرفة في الساحة الأمريكية، وحاول أن يستقصي «جميع» هذه الحركات، ونجح إلى حدٍّ كبير في توسيع النظرة لهذا الطيف المتطرف الواسع والمتنوع. لكن بعض الجماعات والحركات المتطرفة لم يتم التطرق إليها كجماعة The Ku Klux Klan)) المدافعة عن البيض دون سبب واضح.

ملاحظة أخرى تتعلق ببنية الكتاب القائم على فصول متفرقة غير متصلة؛ مما أدّى إلى وجود ثغرات وحالات من الانقطاع وعدم الاتصال أو التكامل بين الفصول المختلفة.

في تناوُل الجماعات والحركات المتطرفة، حاولَ الكتاب تقديم الجماعات المختلفة بشكل موضوعي إلى حدٍّ ما بعيدًا عن التحيز أو التحامل. ولكن ولنفس الملاحظة السابقة -تعدُّد المؤلفين- اختلفت طريقة التناول من مجموعةٍ إلى أخرى حسب الكاتب والنقاط التي حاولَ التركيز عليها.

وقد يؤخذ على الكتاب عدم الحسم في تقديم تعريف واضح مباشر للتطرف، وهو المفهوم الأساسي الذي يقوم عليه الكتاب، فلجأ إلى عدة مصادر وقدّم تعريفاتٍ متعددةً للتطرف. وقد أرجعَ مُحرِّر الكتاب ذلك إلى غياب الإجماع لتعريف محدد وواضح للتطرف عند الدارسين لهذه الظاهرة.

وإجمالًا، فالكتاب يُقدِّم خريطة واسعة لهذه الحركات والمجموعات في الولايات المتحدة، ومدى تأثيرها وقبولها في أوساط الشعب الأمريكي. إضافةً إلى أنه يستحق قراءة كلّ مهتم بموضوعات كالتطرف والعنف، أو دراسة المجتمعات الغربية والأمريكية على وجه الخصوص.

شارك :

التعليقات (0)

أضف تعليق